أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. جاء في الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله، أي الإسلام أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده). أيها الناس، هذا قبس وضَّاء شعَّ من مشكاة النبوة؛ لينير لنا حياتنا، ويرسم لنا منهاج مسيرنا إلى الله تعالى. إن هذا الدين حقائق وأعمال، وليس مظاهر وأقوالاً بعيدة عن الامتثال والاستسلام الكامل لشريعة السماء التامة المعصومة، إنه دين عملي يطلب من معتنقه أن يبرهن على صدق اعتناقه وصحة انتمائه ورضاه به في واقع الحياة العملي. هذا الحديث الشريف - الذي سيكون موضوع خطبتنا هذه - يكشف لنا عن أن أفضل المسلمين وأكملهم هو من يؤدي حقوق الخالق وحقوق الخلق. عباد الله، إن إيذاء الناس بالقول أو بالفعل ذنب كبير يغضب الخالق سبحانه وتعالى، ويضر المخلوقين، خاصة الصالحين والضعفاء والمساكين. قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ﴾ [الأحزاب 58].
[8] متفق عليه [9] رواه مسلم. [10] رواه الترمذي وأبو داود، وهو صحيح. [11] رواه مسلم. [12] رواه مسلم. [13] رواه البزار والطبراني، وهو حسن.
وفي ذكر اليد دون غيرها من الجوارح نُكتة، فيدخل فيها اليد المعنوية كالاستيلاء على حق الغير بغير حقٍّ. والهجرة ضربان: ظاهرة وباطنة؛ فالباطنة: ترْك ما تدعو إليه النفس الأمَّارة بالسوء والشيطان، والظاهرة: الفرار بالدين من الفتن، وحقيقة الهجرة تحصل لمن هجَر ما نهى الله عنه، فاشتَملت هاتان الجملتان على جوامع مِن معاني الحِكَم والأحكام. والمراد بالناس هنا: المسلمون؛ كما في الحديث الموصول، فهم الناس حقيقة عند الإطلاق؛ لأن الإطلاق يُحمل على الكامل، ولا كمال في غير المسلمين. ويمكن حمله على عمومه على إرادة شرط، وهو إلا بحقٍّ، مع أن إرادة هذا الشرط مُتعينة على كل حال؛ لما قدَّمته من استثناء إقامة الحدود على المسلم، والله - سبحانه وتعالى - أعلم؛ [عمدة القاري]. مرحباً بالضيف