أما بعد: أيها المؤمنون.. عباد الله: اتّقوا الله -تعالى-؛ فإنَّ تقوى الله -جل وعلا- فلاحٌ للعبد، وسعادةٌ في الدنيا والآخرة. عباد الله: إن من عظيم الأعمال وجليل القربات التقربَ إلى الله -سبحانه وتعالى- بعمارة المساجد وبنائها، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ ". قال ذلكم عثمان -رضي الله عنه- إبَّان خلافته عندما عزم على توسعة مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن ذلكم توسعته من الجهة الأمامية، فوقع شيء في نفس بعض الناس من ذلك وآثروا أن يبقى المسجد على حاله، فروى عثمان هذا الحديث بيانًا للناس وإيضاحًا لهم في بيان عظم هذا الأمر وعظيم ثوابه عند الله، ولاسيما إذا اشتدت الحاجة لذلك. وكلما زاد البناء في المسجد فالزيادة لها حكم المزيد، فكل زيادةٍ حصلت في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- في زمن عمر ثم زمن عثمان ثم في خلافة بني أمية ثم فيما بعد فإن لها حكم المزيد، وللصلاة فيها ثواب الصلاة في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: " صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلا المَسْجِدَ الحَرَامَ ".
يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم هذه الآية نزلت بعد العشر الآيات المتقدمة ، فالجملة استئناف ابتدائي ، ووقوعه عقب الآيات العشر التي في قضية الإفك مشير إلى أن ما تضمنته تلك الآيات من المناهي وظنون السوء ومحبة شيوع الفاحشة كله من وساوس الشيطان ، فشبه حال فاعلها في كونه متلبسا بوسوسة الشيطان بهيئة الشيطان يمشي والعامل بأمره يتبع خطى ذلك الشيطان. ففي قوله: لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان تمثيل مبني على تشبيه حالة محسوسة بحالة مفعولة إذ لا يعرف السامعون للشيطان خطوات حتى ينهوا على اتباعها. [ ص: 187] وفيه تشبيه وسوسة الشيطان في نفوس الذين جاءوا بالإفك بالمشي. و ( خطوات) جمع خطوة بضم الخاء. قرأه نافع وأبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم والبزي عن ابن كثير بسكون الطاء كما هي في المفرد فهو جمع سلامة. وقرأه من عداهم بضم الطاء; لأن تحريك العين الساكنة أو الواقعة بعد فاء الاسم المضمومة أو المكسورة جائز كثير. والخطوة بضم الخاء: اسم لنقل الماشي إحدى قدميه التي كانت متأخرة عن القدم الأخرى وجعلها متقدمة عليها.